قم للوطن، وانثر دماك له ثمن..
هكذا استهل الدكتور الرنتيسي قصيدته
يوم أراد التعبير عن حقيقة لمسناها في حوادث التاريخ وما رأيناه من أحداث متتالية
في هذا العصر، أن من أراد العيش بعزة وكرامة في وطنه فإن عليه أن يدفع ثمنا لهذه
الحياة العزيزة التي ينشدها.
فكلنا يعلم أن الإنسان العزيز المبجل
(في أي مجال وعلى أي مستوى) لم يصل إلى مكانه بالركون إلى الراحة ولا بما يسمى
لدينا بـ"تكبير الدماغ" وإنما وصل إلى ما وصل إليه بجهد وتعب وثمن دفعه من ماله
وجهده وأعصابه، ودمه أحيانا إذا ما استدعى الموقف.
وهذه هي سنن الله تعالى الثابتة في
الكون التي لا تحابي مؤمنا ولا كافرا، ولا يستثنى منها أحد، إنها الناموس الذي وضعه
الله تعالى لهذا الكون ليسير عليه دون أن يتخلف عنه أحد، ولنا في حال كثير من شعوب
المسلمين اليوم عبرة ومثل..
فهكذا لم يخرج اليهود من غزة ولا جنوب
لبنان إلا بعد حرب ضروس خاضها المقاومون والمجاهدون الأبرار، وقد بذلوا كل ما
يملكون متوكلين على الله تعالى وقد فوضوا أمر النتائج إليه سبحانه، لم يلتفتوا إلى
المثبطين ولا إلى القاعدين، فصنعوا الصواريخ في ورش يدوية بدائية ولم يلتفتوا إلى
هؤلاء الذين سخروا منهم قائلين "إن صواريخكم عوراء كلعب الأطفال"، حفروا الخنادق
شهورا لينفذوا العمليات في ساعات، ظلوا صابرين مرابطين لسنوات طوال.. حتى يثمر
صبرهم نصرا ما كان واحد منا يتوقعه!
لعلنا جميعا يا إخوتي نذكر يوم أتممنا
شهرا اقتحم فيه اليهود مخيم جنين ثماني مرات، ثماني مرات يسوى فيها المخيم بالأرض
خلال شهر..أي بمعدل يقرب من مرتين في الأسبوع، وفي كل مرة يدخل فيها اليهود يخسرون
أعدادا من الجنود والدبابات التي كانوا يفتخرون بصناعتها على العالم أجمع!..خسروها
في مخيم لا تجاوز مساحته كيلومتر ونصف!
إنه الصبر الذي تعلّمه رجال رباهم هذا
الدين، وربتهم المحن والشدائد..لكن ونظرة إلى نتيجة هذا الصبر..لقد استعادوا جزءا
من أرضهم من أيدي عصابات اليهود، التي باتت ترهب دولا أخرى لم يفهم حكامها معنى
الصبر أو الثبات!
ولنا أيضا أن نذكر ما كان من المسلمين
في البوسنة والهرسك، يوم تواطأ عليهم العالم بأكمله لاستئصالهم من أوروبا، كيف أن
الشعب صمد أعواما أمام تداعي الأمم عليه وتواطؤها على استئصاله، حتى أيدهم الله
بنصره وثبت دولتهم وبلادهم وحقهم، قد لا يعلم الكثير أن هذا الإنجاز كان من أهم
أسبابه صمود الشعب البوسني الذي أحبط محاولات الصرب أكثر من مرة للسيطرة على
عاصمتهم، وقد لا يعلم الكثيرين أن الشعب البوسني بكامله نزل إلى شوارع سراييفو
لمواجهة عصابات الصرب المسلحة في مظاهرات صاخبة يوم أن حاولوا السيطرة على البوسنة
بانقلاب، وقد لا يعلم الكثيرين أن الرئيس البوسني وقتها قد أسر واسترده الشعب يوم
واجه الصرب في شوارع سراييفو..
لم يعرف اليأس إلى نفوسهم سبيلا..ولم
يسأل أيا منهم عن الجدوى من هذا العمل أو ما إذا كان ممكنا لهم إحراز النصر..إن من
ينظر في أقوال المجاهدين في السابق يجد هذه المعاني واضحة في كلامهم "أنما نجاهد في
سبيل الله دون انتظار لنتائج في الدنيا، وإنما نرنو إلى الجزاء الجليل في الآخرة
وما النصر إلا من عند الله[center]
وللحديث بقيه.......